نقلت لكم هذا الموضوع للفائدة من إحدى الجرائد الصادرة بالمغرب
أصبحت موضة العصر في مختلف أسلاك التعليم:
الساعات الإضافية أو التجارة المربحة
أنس العقلي/ جريدة المستقل
"الساعات الإضافية جعلتني أكره القسم والدراسة والأستاذة.."هكذا عبرت تلميذة من السنة الثالثة إعدادي وهي تصف بحرقة معاناتها مع النواحي السلبية للدروس الخصوصية، هذه الدروس التي باتت تجارة رابحة للعديد من رجال التعليم، الذين وصل الأمر ببعضهم إلى استعمال سلطة النقطة كوسيلة لابتزاز آباء التلاميذ.. إذا أرادوا أن ينجح أبناؤهم..
تعتبر الدروس الخصوصية قضية تربوية اجتماعية انتشرت بشكل واسع عند أغلب الأسر المغربية، وأصبحت دلالة على اهتمام الأسرة بالمسار الدراسي للأبناء، بغض النظر عن النتائج الحقيقية التي يجنيها التلميذ في آخر المطاف. وقد أصبح الكثير من أولياء الأمور والأمهات بصورة أكبر يرون أن التلميذ الذي لا يستفيد من دروس الدعم الليلية لا يتحسن مستواه الدراسي، وتطورت الفكرة بعد ذلك فلم يعد الأمر يقتصر على التلاميذ ذوي الصعوبات الدراسية، بل تعداه إلى التلاميذ النجباء الذين أصبح أولياؤهم لسبب أو لآخر يعتقدون أنهم بحاجة إلى هذه الدروس.
بيع وشراء النقط
والذي ساعد على انتشار هذه الظاهرة وتعميقها، هو كونها مربحة لبعض الأساتذة، وتشكل مصدر رزق إضافيا هاما بالنسبة إليهم، يعينهم على توفير ظروف حياة أفضل، ويريحهم من متاعبهم المالية. ولتنجح هذه التجارة أكثر، فإن بعض الأساتذة بدؤوا يطورون أساليب مختلفة، منها أساليب التحفيز عن طريق إنجاز الامتحانات مع التلاميذ خلال هذه الحصص، أو أساليب الابتزاز التي تتجلى في تهديد الأستاذ لتلامذته بأن الذي لا يحضر الساعات الإضافية لن يحصل على نقطة جيدة ولو كان يستحقها؛ وهذا طبعا ضرب للقانون ولحقوق التلميذ.
وأصبحنا نتفاجأ من حين لآخر بوقفات احتجاجية للتلاميذ أمام المؤسسات التعليمية، سببها أن الأستاذ فلان يقدم الدروس بإتقان خلال الساعات الخصوصية لصالح فئة معينة من التلاميذ، وأن هذه الفئة لها فكرة مسبقة على نوع الأسئلة المطروحة في الامتحان.
وما يفضح اللعبة هو أن التلاميذ المستفيدين كلهم من قسمه، يعني أن الأمر يتعلق بشراء النقط وليس بكفاءة المدرس. خصوصا وأن هناك بعض الآباء الموسرين الذين يدفعون لأبناءهم واجبات حصص الدعم عند الأستاذ الرسمي لضمان النقطة، ويدفعون في نفس الوقت لأستاذ آخر كفء لضمان المعرفة. وهنا نطرح السؤال: ماذا نقول عن الشريحة الضعيفة التي لا تستطيع أن تدفع ولو درهما واحدا؟.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فهناك آباء أساتذة يدرسون المادة في مستوى الثانية تأهيلي، ويمارسون الساعات الخصوصية، ورغم ذلك يؤدون حصص الدعم لأبنائهم عند أساتذتهم من نفس المادة. لماذا؟ فقط لشراء النقطة. ولكن إلى أي حد تشفع هزالة الراتب للأستاذ الذي يمارس نوعا من الاستغلال والابتزاز ضد أشخاص قاصرين؟ وهل طموح الأستاذ للرفع من دخله على حساب تلامذته، يعتبر من وجهة نظر قانونية عملا مشروعا؟.
الدروس الخصوصية.. حل أم مشكل؟
وأصبح التلاميذ يحملون عبء هذه الدروس وثقلها، مما يساهم في إرهاقهم فكريا وجسديا، وبالتالي التقليل من قدرتهم على التحصيل العلمي وتردي نتائجهم تبعا لذلك. وقد كنا نشعر بالغبن عندما كنا في المرحلة الإعدادية، ونحن نتوجه مساء السبت أو صباح الأحد لننحشر داخل قاعات صغيرة، من أجل "الاستفادة" من الدروس الخصوصية، بينما يستمتع أصدقاؤنا الآخرون بالراحة أو الاستجمام في تلك الأوقات التي تدخل في إطار العطلة الأسبوعية للتلميذ، والذي من حقه الاستمتاع بها من أجل الاستعداد لأسبوع جديد من العلم والتحصيل.
كانت أجسادنا تنحشر داخل طاولات خشبية جد ضيقة، لأنها مصممة أصلا للأطفال الصغار، والسبب هو أن الأساتذة ببساطة كانوا يكترون مدرسة ابتدائية خاصة من أجل تقليص المصاريف، ليحولوها في المساء إلى مدرسة للدروس الخصوصية.
وإذا كان الكثير من التلاميذ يتذمرون من الدروس الخصوصية التي يفرضها عليهم أولياء أمورهم، فإن الآباء يفكرون بشكل مخالف، ويحصرون المشكل في جانبه المادي. تقول إحدى الأمهات التي التقيتها أمام باب مدرسة "العمران" بالدار البيضاء، حيث كانت تنتظر ابنتها على الساعة التاسعة ليلا: "بالطبع فالدروس الخصوصية أصبحت بالنسبة لنا مشكلة مزمنة، فميزانية الأسر لم تعد تتحمل واجبات هذه الدروس خصوصا مع موجة الغلاء، ولكن ماذا نفعل؟ لانستطيع ترك أولادنا عرضة لفوضى المدارس الحكومية الناتجة عن الاكتظاظ الذي تعاني منه في بعض المناطق، ففي إعدادية أبو بكر الصديق التي تدرس بها ابنتي وصل عدد التلاميذ إلى ما يقارب الستين تلميذا في القسم الواحد، وهو ما يصعب على التلميذ الفهم والاستيعاب، والحل هو الدروس الخصوصية التي تعوض للتلميذ ما فاته في القسم."
المضاربة في المعرفة
وحتى الدروس الخصوصية درجات ومراتب، أقلها تلك الحصص التي يقدمها الأستاذ لتلامذته في منزله، وغالبا ما يكون الثمن خمسين درهما للشهر مقابل حصة واحدة أسبوعيا، وهناك بعض الأساتذة يلقون دروسا خصوصية للتلاميذ في قبو أو مرأب "جراج" لتقليص المصاريف.
وعندما يتعلق الأمر بمجموعة من الأساتذة مختلفي التخصصات يكترون مدرسة خاصة، فالثمن يبدأ من مائة درهم شهريا مقابل حصتين أسبوعيا، ومأتي درهم شهريا مقابل أربع حصص أسبوعيا. ويرتفع الثمن بارتفاع مستوى المدرسة المكتراة، من ناحية حالة المرافق من قاعات وطاولات ووسائل راحة، وكذلك باختلاف سلك التعليم، ويرتفع الطلب بالخصوص على دروس الرياضيات والفيزياء واللغات الحية والعلوم الطبيعية.
ويقر أغلب التلاميذ بأن مساوئ الدروس الخصوصية أكثر من منافعها، تقول "كريمة" طالبة بمستوى الباكالوريا بثانوية عثمان ابن عفان بالدار البيضاء: "سلبياتها أكثر من إيجابياتها، وأنا شخصيا جربتها في السنة الماضية، فهي من جهة إثقال على كاهن التلميذ، حيث يضيق عليه الوقت ولا يبقى له وقت للراحة، مما يؤدي إلى الإرهاق وضعف التركيز. ومن جهة أخرى عندنا في المغرب أصبحت وسيلة ربح من الدرجة الأولى، حيث أن الأساتذة لا يلقون الدروس بالطريقة المطلوبة داخل المدارس الحكومية، وبالمقابل يطلبون من التلاميذ القيام بالدروس الخصوصية حتى يتسنى لهم الفهم، وهذه طريقة وضيعة لربح المال مع احترامي لبعض الأساتذة، لأن هناك قلة من أصحاب الضمير."
ويقول المهدي وهو حاصل على الباكالوريا: "رغم أن الأسرة التي أنتمي إليها يشتغل معظم أفرادها بمهنة التدريس، إلا أنني أرى بأن الدروس الخصوصية ليست الحل الأمثل. رغم أنها أصبحت الموضة السائدة لدى الكثير من الناس، والأكثر من ذلك أنها أصبحت معيارا لجدية الطالب، وهذا فهم خاطئ، فمن خلال تجربتي الشخصية لم يسبق لي أن شاركت في أي درس خصوصي، ومع ذلك فالحمد لله اجتزت كل سنوات الدراسة دون رسوب حتى حصلت على شهادة الباكالوريا. وبهذه المناسبة أريد أن اطرح سؤالا: ماذا ننتظر من المدرس الذي لا يشتغل في القسم، ويجعل كل همه وتفكيره في الدروس الخصوصية؟ ".
وتجدر الإشارة إلى أنه لم تكن لأحد الجرأة على إثارة هذا الموضوع وطرحه بشكل جدي، من مديرين أو نواب أو حتى بعض الآباء الانتهازيين في العديد من جمعيات أولياء أمور التلاميذ. لذلك فالدولة تظل مطالبة بتسليط الضوء على ما يجري ليلا في مدارس الساعات الخصوصية، ودراسة الوضع من جميع جوانبه دراسة عميقة متأنية، حتى تضمن لأبناء الفقراء تعليما جيدا داخل المدارس الحكومية، وتأخذ لهم حقهم من بعض رجال التعليم الجشعين الذين يستغلون مكانتهم من أجل إعادة بيع المواد الدراسية التي يتقاضون عليها أجرا من الدولة، حتى أصبح الأمر شبيها بالمضاربة في المعرفة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى يبقى على أولياء التلاميذ أن يعرفوا بأن مراكمة المواد والزيادة في ساعات الدراسة لا يكون دائما في مصلحة التلميذ، فقد تكون له نتائج عكسية، والدليل على هذا أن بعض التلاميذ يتهربون من هذه الدروس بعدة وسائل، فتجدهم ليلا يؤثثون الأزقة الضيقة التي لا تعرف كثرة المارة، مختبئين عن عيون الرقباء، يمسكون محافظهم ويستمعون إلى الأغاني في انتظار وصول موعد الخروج من أجل العودة إلى بيوتهم. كما أن بعض التلاميذ يوهمون آباءهم بأنهم مسجلون في حصص الدروس الإضافية، ويحتفظون بالنقود لأنفسهم ويختفون عن الأنظار كل مساء، ليوهموا أولياءهم بأنهم يذهبون لتلقي الدروس الليلية.